صورة أوضح عن الطمر الصحي
14 ألف طن نفايات “تكتم” بغداد كل يوم.. ومعمل التدوير “يتيم وعاطل”
بغداد – رامي الصالحي
تعجز السلطات في بغداد عن معالجة 14 ألف طن من النفايات يومياً، بوجود معمل واحد فقط لفرزها وتدويرها، فيما تنتشر مواقع الطمر العشوائية قرب الأحياء السكينة، ما حوّلها إلى مستنقعات ملوثة.
وأظهرت مقابلات، أجرتها شبكة 964، مع مسؤولين حكوميين وموظفي بلدية ومواطنين من مناطق مختلفة في العاصمة، أن تراكم النفايات لم يعد مشكلة بيئية وحسب، بل إلى هدر موارد للطاقة، في ظل تمسك السلطات بآليات عمل قديمة، وصعوبات جدية في انخراط القطاع الخاص، لتحويل التدوير إلى مورد جديد للطاقة.
ووفقاً لتلك المقابلات، فإن المشكلة لا تتعلق بـ15 دائرة بلدية تمتلك مئات العجلات، يعمل عليها المئات من عمال التنظيف، بل في الحاجة إلى “ثورة إدارية” في النظام البلدي القائم في العاصمة بغداد.
وافتتح معمل التدوير الوحيد في ناحية اليوسفية، جنوبي بغداد، عام 2013، إذ تفرز فيه النفايات بمعدل 200 طن يومياً، إلا أن المعمل مهمل لأسباب مجهولة.
وتستهدف عملية إعادة تدوير النفايات، استخدام المواد التالفة لإنتاج مواد جديدة، حيث بدأت العديد من الدول حول العالم بتنشيطها خلال السنوات الماضية، لا سيما في مجال الطاقة.
وقالت عينة من سكان بغداد، لشبكة 964، إن مناطقهم تعاني من نقص الحاويات، وشح الكابسات المتخصصة بجمع النفايات، ووفقاً لإفادات موثقة، فإن عدداً من موظفي أمانة بغداد لا يجمعون النفايات، إلا مقابل جبي الأموال من المنازل.
ويقول سعد علي، من سكان الشعب شمالي بغداد، إن “المنطقة تعاني من تكدس النفايات داخل الأزقة فيما لا تقوم الكابسات برفعها إلا مقابل أموال تجبى من الأهالي”.
وبحسب حسين علي، من بغداد الجديدة شرقي العاصمة، فإن “أمانة بغداد لم تخصص الحاويات الكافية في مناطقهم، فضلاً عن قلة أعداد السيارات الخاصة برفع النفايات”.
لكن سائقي مركبات، قالوا إن رواتبهم قليلة جداً مقارنة “بالجهد الذي يقدمونه في جمع النفايات ونقلها”.
وقال سائق كابسة يعمل في بلدية الدورة، غربي بغداد، لشبكة 964، إن “مسؤولي البلديات سمحوا ضمناً للسائقين صلاحية استحصال مبالغ رمزية من المنازل والمحال التجارية مقابل رفع النفايات”.
ويبلغ مبلغ الجباية 10 آلاف دينار شهرياً، في حين يمنح بعض الأهالي مبالغ قليلة مقابل كل مرة يرمون فيها النفايات في الكابسات، بحسب شهادة سائقين.
وقال سائق الكابسة، إن “السيارات الخاصة برفع النفايات قليلة ولا تسد الحاجة الفعلية للمدينة، لكن غياب موظف واحد عن العمل يتسبب بتراكم النفايات في المناطق لعدم وجود بديل في أغلب الأحيان”.
كيف تعالج الأمانة النفايات؟
يقول مدير إعلام أمانة بغداد، محمد الربيعي، لشبكة 964، إن “طريقة جمع النفايات في العاصمة بدائية، حيث تنقل في المرحلة الأولى إلى أماكن الطمر الأولي الموجودة في المناطق، ثم تنقل بعد الساعة 2 ظهراً إلى أماكن الطمر النهائي”.
وتطمر النفايات في موقعين، الأول في منطقة النباعي شمالي العاصمة، والذي يستوعب نحو 7 آلاف طن يومياً، في حين يستوعب الموقع الثاني في النهروان جنوبي بغداد، نحو 3 آلاف طن يومياً.
ويشير الربيعي، إلى أن “آليات أمانة بغداد ترفع يومياً أكثر من 9 آلاف طن من النفايات من جميع المناطق والازقة في العاصمة”.
ماذا عن خصخصة النفايات؟
تخطط أمانة بغداد لإشراك القطاع الخاص والشركات الاستثمارية في عمليات رفع النفايات من مناطق العاصمة، لتعويض النقص في عدد الآليات المملوكة للأمانة، فيما تدرس فتح باب الاستثمار أمام الشركات المنافسة في هذا المجال.
لكن شراكات سابقة مع شركات أهلية، محلية وإقليمية، انتهت بالفشل أو باندماج تلك المؤسسات الخاصة في النظام الإداري المتهالك المشرف على إدارة النفايات، وفقاً لمسؤول بلدي سابق.
ويقول مصدر في أمانة بغداد، لشبكة 964، إن “هناك العديد من مواقع الطمر في العاصمة، أبرزها في منطقتي كسرة وعطش والبلديات شرقي بغداد، ومنطقة التاجي في الجزء الشمالي”.
لكن العاصمة تفتقر إلى مصانع لإعادة تدوير النفايات تكفي لسد الحاجة الفعلية للكميات المنتجة يومياً.
وبحسب المصدر، فإن “معملاً واحداً فقط يعمل بطاقته الكاملة لتدوير النفايات، لكنه لا يغطي الحاجة”
ودخلت معامل خاصة صغيرة الخدمة في الآونة الأخيرة، لكن أغلبها غير مسجل، وتعمل على رفع النفايات من الشوارع للاستفادة من موادها في مجال إعادة التدوير.
أطنان من النفايات يومياً
وتلقت الحكومة العراقية خلال السنوات الماضية، عروضاً استثمارية من شركات أجنبية لمعالجة ملف النفايات والاستفادة منها في إعادة التدوير.
ويقول مدير الشؤون الفنية في وزارة البيئة، عيسى الفياض، إن “الفرد العراقي ينتج يومياً ما بين كيلوغرام واحد وكيلوغرام وربع من النفايات، أن 43 في المئة منها مخلفات طعام”، فيما “ينتج العراق 20 مليون كيلو غرام من النفايات، أي ما يعادل نحو 20 ألف طن يومياً”.
ويوضح الفياض، لشبكة 964، أن “بغداد تنتج نحو 4 آلاف طن من النفايات بشكل يومي، وهي نفايات السكان”، مضيفاً أن “العاصمة تنتج يومياً مخلفات بلدية عامة بنحو 10 آلاف طن من النفايات، وهي نفايات الشركات والمصانع وغيرها من القطاعات”.
ووفقاً للمسؤول الحكومي، فإن أمانة بغداد لم تأخذ أي موافقات رسمية من وزارة البيئة بشأن تحديد مواقع الطمر، غير أن المعلومات تشير إلى أن النفايات تُطمر في أطراف بغداد كالتاجي شمالي العاصمة”.
ويؤكد الفياض أن “الأمانة لم تتعاقد أو تمنح تراخيص لتحويل واستثمار النفايات في مجال الطاقة والصناعات الأخرى، في حين منحت وزارة البيئة ترخيصاً في محافظة بابل ومدينة الموصل كخطوة أولى لإنتاج الطاقة الكهربائية”.
وفي منتصف شباط الماضي، كشفت وزارة البيئة، عن توجيه من رئاسة الوزراء بإعداد قانون جديد لتدوير النفايات في العراق، فيما أشارت إلى أنها تسعى لتطبيقه في المجمعات السكنية لإنهاء عمليات الطمر العشوائي.
لا إحصاء منذ عامين
يشير تقرير للجهاز المركزي للإحصاء التابع لوزارة التخطيط، أن “كمية النفايات الاعتيادية المرفوعة في عام 2020 بلغت 11 مليوناً و800 ألف طن في، مرتفعة عن عام 2019، التي بلغت 10 ملايين و600 ألف طن”.
ويقول عبدالزهرة الهنداوي المتحدث الرسمي باسم وزارة التخطيط، لشبكة 964، إن “الوزارة وجهاز الإحصاء لم يجريا أي إحصاء رسمي لملف النفايات في بغداد والعراق خلال العاميين الماضيين”، دون الكشف عن الأسباب.
وتتخلص السلطات عادة من هذه الكميات الضخمة من النفايات، عبر الطمر في مناطق نائية، أو الحرق أحياناً.
وأعلنت وزارة الكهرباء، منتصف العام 2012، على لسان مستشارها هاشم الشديدي، “تهيئة الأجواء الملائمة لجذب شركات الاستثمار الأجنبية والعربية في مجال تدوير النفايات وتحويلها إلى طاقة كهربائية”.
وقالت الوزارة، إنها “ستستخدم تكنولوجيا الجيل الرابع التي تنتج أكثر من 37 ميغاواط لكل ألف طن من النفايات، بينما ينتج الجيل الثالث، الذي يستخدم في أغلب دول الجوار ومنها تركيا، نحو 17 ميغاواط لكل ألف طن من النفايات”.
ووفقاً للأمم المتحدة، فإن العراق ينتج نحو 30 ألف طن من النفايات الصلبة يومياً، لكنه يفتقر إلى بنية تحتية مؤهلة للتعامل مع هذا الكميات بطريقة تضمن عدم وجود أثار سلبية على البيئة وصحة السكان، لذلك يتم التخلص من معظم النفايات في مدافن قمامة غير منظمة.
رابط تقرير الأمم المتحدة.
مؤثرات بيئية خطيرة
وتشهد بغداد ارتفاعاً في نسب التلوث عموماً، إذ دخلت ضمن قائمة المدن الأكثر تأثراً بالتغيرات المناخية حول العالم، وفقاً لتقارير وإحصاءات مختلفة.
وتقول خبيرة التلوث البيئي إقبال لطيف، لشبكة 964، إن “طمر النفايات في أطراف بغداد يسبب تلوثاً بكتيرياً وجرثومياً من خلال تسربها إلى المياه عن طريق التربة”.
وتشير لطيف إلى أن “ترك النفايات لأيام وعلى شكل أكوام تولد بيئة ملوثة تنقل جراثيمها عبر البعوض والحشرات إلى جميع مناطق العاصمة بغداد”.
وتشدد المعايير الدولية لطمر النفايات على ضرورة تخصيص أماكن بعيدة عن المناطق السكنية، ووضع أساسات من الأسمنت لمنع تسرب الجراثيم والملوثات إلى التربة ومياه الشرب.
ووفقاً للخبيرة البيئية، فإن 90 في المئة من أسباب تلوث مناطق حزام بغداد يعود لانتشار مناطق طمر النفايات غير الصحية، عازية التلوث الكبير لأسباب تتعلق بطمر النفايات بجميع مكوناتها العضوية وغير العضوية.