لا مزيد من "عادات الجاهلية"
خبراء العمارة: نكاد نتخلص من “دكات العشائر” وحان الوقت لننهي “الجلوة”
ميسان – 964
تقول السلطات في ميسان إنها تمكنت بالفعل من السيطرة نسبياً على ظاهرة “الدكة العشائرية” لكنها مازالت تعاني من “الجلوة” وهي قرار تتخذه العشيرة بنفي شخص أو عائلة إلى خارج المنطقة بعد اتهامها بالتورط في جريمة، ويشير وجيه عشائري بارز في العمارة، إلى أن وجود تراجع ملموس في اعتماد هذا السلوك، لكن أهالي المدينة يتذكرون نماذج تتكرر بين الحين والآخر للإجلاء أو النفي، ويقول ضابط في العمارة إن الأمر بحاجة ملحّة إلى تشريع قانون خاص، فيما يشير خبير قانوني إلى أن امتناع المتضررين عن تقديم شكوى يساهم بتفاقم الإشكال، فلو تقدموا بدعاوى قضائية، لوجدت السلطات المختصة تكييفات قانونية لمعاقبة الفاعل.
ومرّت 4 أعوام لم تكن كافية لعودة عائلة الشاب محسن كامل المتهم بقضية قتل تمت تبرئته منها قانونياً ودفع الدية العشائرية، إلا أن عشيرة الضحية ما تزال ترفض عودته إلى ميسان بعد أن حكمت عليه بـ “الجلوة العشائرية” إلى مدينة أخرى، وإلا فمصيره القتل انتقاماً، وهكذا يتم القصاص من عائلة المجني عليه في الأوساط العشائرية العراقية.
والجلوة من الإجلاء وهي عادة متبعة عند غالبية العشائر في بلاد الشام والعراق، إذ يجري نفي القاتل مع عائلته في بعض الأحيان إلى خارج مدينته، وقد يعود لها أو يُبعد نهائياً، ولا تزال حاضرة في ميسان رغم مخالفتها للقانون، إلا أن غياب تشريع دستوري واضح وصريح يجعل قوة العشائر في تطبيق سننها، تطغى على قوة القانون وفقاً لخبراء قانونيين، فيما يؤكد شيوخ عشائر لشبكة 964 أن التوعية الدينية والمجتمعية في السنوات الأخيرة خففت من الظاهرة إلى حد كبير، وبات الأمر يقتصر على نفي القاتل إلى أقضية ونواحي ميسان ثم بإمكانه العودة بعد مضي فترة متفق عليها.
أغلى "فصل عشائري" في العراق.. الدية مليار دينار في ميسان والاعتراض بدأ (صور)
كامل حميد – والد محسن المتهم بالقتل، لشبكة 964:
منذ 4 سنوات حصلت مشاجرة بين عائلتين، أسفرت عن مقتل شاب، اتهم ذووه ابني محسن بقتله، ورغم تبرئة ابني قانونياً وبقرار المحكمة، إلا أن عائلة الضحية أصرت على اتهامه، علماً أننا دفعنا دية القتل، لكنهم أصروا على إجلاء ابني خارج ميسان، وحتى اليوم لا يستطيع العودة إلى منزله ومدينته خشية الانتقام والقتل.
عبد المحسن داغر – مؤرخ وباحث في شؤون العشائر، لشبكة 964:
الجلوة عادة مازالت تتبعها غالبية العشائر في فلسطين والأردن وسوريا العراق، وهي ردة فعل تجاه القاتل وعائلته، أو القاتل فقط في بعض الأحيان، تصل لحرق منزله أو محله، ولا يمكن إخماد هذه “الثورة” إلا من خلال دفع الدية أو القصاص من القاتل أو إيداعه السجن.
خلال السنوات العشرة الأخيرة تراجع استخدام الجلوة، وبدأ الاكتفاء بالصلح الودي أو الفصل، وبتنا نلاحظ عائلات تكتفي بدفع الدية وإخراج المتهم من السجن في حالات القتل غير العمد.
الجلوة العشائرية موجودة في كافة البلدان العربية ولها مسميات أخرى منها “فورة الدم” وغيرها.
فيديو: شيخ بني تميم الشاب يقود الصلح مع قبيلة كردية والأجواء كلها ود
كريم آل جوحي – شيخ عشيرة لشبكة 964:
ربما تعود الجلوة العشائرية لزمن الجاهلية، ونحن في ميسان توارثناها منذ القدم وعرفناها من الأجداد، إذ كانت شائعة كثيراً بين العشائر في تلك الفترة، والمبدأ أن يخرج القاتل من القضاء أو المدينة ولا يلتقي بأهل وأقارب الضحية بالتالي تخفف الصدامات والثأر، لحين حدوث فصل أو عفو، لكنها تراجعت في الأعوام الأخيرة لا سيما بعد التوعية والتوجيهات الدينية والمجتمعية لرفض تلك الممارسات الخاطئة، إلى جانب تطبيق القانون بصورة أوسع ما أدى إلى الحد من ممارسة الجلوة مقارنة بالسابق.
ما تزال الجلوة مطبقة في ميسان إلى الآن، وآخرها كان قبل أيام قليلة، لكن تطبق على القاتل فقط، ويتم إبعاده من مركز مدينته ويذهب إلى الأقضية والنواحي ولمدة معينة، ثم يعود إلى مدينته ويمارس حياته بشكل اعتيادي، خلافاً للسابق إذ كان يحكم على الجاني بالمغادرة خارج ميسان إلى بغداد أو الناصرية أو محافظة أخرى.
أمام القاتل طريقان فقط، إما القصاص أو العفو وكثير من العشائر عفت عن الجاني، أو يذهب الموضوع لفصل ودية شرعية.
مصدر أمني لشبكة 964:
استطاعت الأجهزة الأمنية إيقاف الدكة العشائرية بعد سنّ قانون يجرّم ذلك، لكنها لم تتمكن من السيطرة على عادة الجلوة لعدم وجود نص قانوني واضح وصريح، رغم أنها تنتهك حرية الفرد وتمنعه من مزاولة أعماله وعيش حياته بصورة طبيعية، ولا يمكن الحد منها إلا بوجود تشريع رادع لها خصوصاً.
ما تزال الجلوة حاضرة في الأوساط المجتمعية إلى الآن وكمثال على ذلك في العام 2019 جرى إحراق 5 دور سكنية وإجلاء أصحابها خارج ميسان.
محمد جمعة – خبير قانوني لشبكة 964:
رغم مخالفة الجلوة للقوانين العراقية، إذ أن إجبار شخص على النزوح عن مدينته ومنعه من مزاولة أعماله، أو ممارسة حياته بشكل طبيعي، يعد انتهاكاً صارخاً، لكن غياب نص قانوني صريح وواضح لتجريم الجلوة العشائرية، يقف حائلاً ضد منعها.
مع كل حادثة جلوة لو ذهب المتضررون إلى القضاء وتقدموا بشكوى، سيجري حينها تكييف قوانين معينة ضد المشكو منه، لكن في الغالب لا أحد يسلك هذا الطريق ولا يوجد شكاوى من هذا النوع، لما تتمتع به العشائر من نفوذ بالتالي تطبيق سننها في ما بينها.