رويترز
أرقام مفزعة من حقول النجف
نكبة في موطن العنبر.. حصيلة موسم 2022 “لا شيء” وإدارة المياه تحيّر الخبراء
النجف – 964
كشفت تقديرات خبراء وأصحاب مزارع في النجف أرقاماً صادمة لخسائر الشلب ورز “العنبر” الشهير، بعد موسم وصِف ب“الكارثي“، هدد أكثر المحاصيل ندرة وجودة في الشرق الأوسط.
وانحدر إنتاج الشلب في النجف، العام الماضي، إلى نحو 7 آلاف طن فقط، وهو ما يعني لا شيء تقريباً في سوق العراق مقارنة بإنتاج أكثر من 250 ألف طن عامي 2019 و2020، وفقاً لحسابات أجراها فريق 964، استناداً إلى غلّة المساحة المزروعة.
وتعكس أرقام النجف، موطن رز العنبر، الحصيلة المفزعة التي سجلتها حقول العراق عموماً لإنتاج المحاصيل الاستراتيجية، ما يجعل عام 2022 الأسوأ زراعياً في العقدين الأخيرين.
وقلصت وزارتا الزراعة والموارد المائية خطة الموسم الماضي في النجف، إلى 30 في المائة بسبب شح المياه، لأن محصول الشلب يتطلب كميات وفيرة من المياه لتبقى شتلاته مغمورة فيها طوال شهور، لإنجاح الإنتاج.
وطالت خسائر خطة التقليص، مساحات شاسعة من الأراضي المخصصة لزراعة رز العنبر والحنطة في النجف، بلغت نحو 70 في المائة.
ويقول منعم الفتلاوي مدير زراعة النجف، لشبكة 964، إن ”الوزارة تواصل تقليص المساحات المزروعة عاماً بعد آخر، مع استمرار أزمة المياه، ما يراكم خسائر الفلاحين سنوياً“.
لكن إنتاج الحنطة يبدو أفضل حالاً من الشلب، لأسباب تقنية تتعلق بحاجة سنابل الحنطة إلى كميات أقل من المياه.
ودفعت أزمة المياه، وطرق الري المعتمدة، الخبراء إلى مراجعة بدائل للتكيف مع الجفاف، لكن عوامل قانونية وتقنية تعيق تنفيذها.
وطالب اتحاد الجمعيات الفلاحية في النجف، الحكومة باستبدال الخطة المائية، بأخرى تضمن توزيع المياه بما يضمن مصالح المزارعين ومحاصيلهم، باعتماد وسائل ري حديثة، مثل شبكة أنابيب التنقيط.
لكن ثمة شكوكٌ يطرحها أساتذة علوم الزراعة حول قدرة المنظومات الحديثة على إنجاح موسم الشلب، الذي يحتاج إلى هدر في المياه، خلافاً لظروف الجفاف القاسية التي تفرض طرق سقي مختلفة.
وقال علاء زهير، الباحث في تطوير تقنيات إنتاج المحاصيل، لشبكة 964، إن ”رز العنبر يحتاج إلى البقاء نحو 120 يوما مغموراً بالمياه، ومن المستعبد جداً نجاح زراعته بوسائل التنقيط“.
وبحسب الباحث، فإن الري بالتنقيط مكلف ويحتاج إلى تأسيس شبكة أنابيب على امتداد المساحات المزروعة، التي تتطلب تغييرات دورية لمعالجة التكلس والتلف بفعل حرارة الصيف“، لكنه أشار إلى أن ”هذه الوسيلة تنجح فقط مع نوع محدد من الرز، وهو المصري“.
إلا أن رئيس اتحاد الجمعيات الفلاحية، حيدر العصاد، يعتقد بإمكانية إنقاذ مواسم الشلب، رغم الجفاف، باللجوء إلى طريقة الزراعة العمودية التي تعتمد على الري بالمضخات الليزرية باستخدام تكثيف تدفق المياه لمحصول الشلب، لكن المشكلة تكمن، بحسب العصاد، في حظر استيراد هذه المضخات.
ومع ذلك فإن تأثير الري بالمضخات الليزرية سيكون محدوداً، إذ سيوفر إمكانية استعادة 50 في المائة من الإنتاج، وهو بحسب مزارعين أفضل من الوضع الراهن، وفقاً للباحث علاء زهير.
وقال العصاد، لشبكة 964، إن ”الحكومة مسؤولة عن تأمين منظومات الري الحديثة، لكنها في الوقت نفسه تحظر على الفلاحين والقطاع الخاص استيرادها بشكل مباشر“، مشيراً إلى أن ”عجز الحكومة عن توفير الحلول البديلة يستدعي منها مراجعة آليات الاستيراد“.
وأكد العصاد أن الشركات المرخص لها استيراد هذه المنظومات تبيعها على المزارعين بضعف السعر، لأنها تعمل بالتمويل الذاتي.
ورفعت وزارة الزراعة، مطلع حزيران الماضي، القيود عن استيراد القطاع الخاص لمعدات ومنظومات الري الثابت والمحوري الجديدة والمستعملة، وهو ما يمثل 10% فقط من حجم حاجة السوق المحلية، وفقاً للعصاد.
وأبقت الحكومة على قيود استيراد القطاع الخاص لبقية المعدات الزراعية الثقيلة والمتوسطة، كالساحبات والمضخات والجرارات الزراعية وغيرها من المعدات التي تحتكرها الشركة العامة للتجهيزات الزراعية التابعة للوزارة، وتبيعها للفلاحين بطريقتي الدفع الكامل والمجزأ، بأسعار مرتفعة.
واقترح العصاد تعديل الخطط الزراعية من خلال ”استغلال مياه الأمطار وتوجيهها إلى الأراضي الزراعية دون خزنها في السدود“، إلى جانب ”بناء سدود عائمة لمنع وصول المياه المالحة من البحر إلى شط العرب“.
وتؤكد اللجنة المشتركة لوزارتي الزراعة والموارد المائية، أنها قلّصت مساحات الزراعة على الفلاحين بصورة متساوية، بما يتناسب وحجم المخزون الاستراتيجي للمياه في العراق.
وبحسب مدير الموارد المائية في النجف، شاكر العطوي، فإن نسبة إرواء أراضي المزارعين وصلت إلى 50 في المائة موزعة على الأقضية والنواحي.
لكن الحكومة تراجعت، في تشرين الثاني الماضي، عن تقديم الدعم لمحاصيل الحبوب، المحدد بنحو 50 في المائة للأسمدة، و70 في المائة للبذور، و100 في المائة للمبيدات، بناءً على طلب وزارة الزراعة، لعدم توفر منظومات الري بالرش.
وحتى المساحات التي سمحت الحكومة بزراعتها المواسم الماضي، لم يتمكن أصحابها من استغلالها لإنتاج المحاصيل المقرة، بسبب تقديرات المزارعين بأن أرباحهم لن تكون مجدية، ما دفع عشرات من الفلاحين إلى الهجرة نحو سوق المدينة.
ووفقاً لمصادر شبكة 964، فإن المجلس الزراعي الأعلى في النجف يدرس إمكانية تعويض المزارعين الذين خرجوا من موسم العام الماضي بخسائر فادحة، عن جزء منها، فيما قدر قيمة الضرر ب 350 ألف دينار لدونم رز الياسمين، و450 ألف دينار لدونم العنبر.
وقرر مجلس الوزراء، الشهر الماضي، حزمة تعويضات لمزارعي الشلب، باقتراح تضمين نحو 90 مليون دولار في موازنة 2023، ستوزع على مزارعي النجف والديوانية والمثنى، غير أن صرف تلك الأموال سيبقى مرهوناً بإقرار الموازنة.
براء الموسوي وابراهيم صالح